مقدمة:

مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع في مصر طبقاً للمادة الثانية من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011. ومن مبادئ الشريعة الإسلامية مبدأ المساواة بين الناس في الحماية من العنف والتمييز. كما أن مصر صدقت على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان المقررة للمساواة بين الجنسين في الحقوق، وطبقاً للمادة 56 من الإعلان الدستوري تعتبر هذه الاتفاقيات "جزءاً من النظام القانوني في الدولة".

وعلى ذلك يكون المشرع المصري مطالباً بإزالة كل مظاهر التمييز بين الرجل والمرأة في التشريعات القائمة، وإصدار التشريعات التي تجرم كافة صور العنف الذي تتعرض له المرأة. وقد خطت مصر خطوات جادة في هذا الاتجاه نأمل أن تتدعم بعد ثورة 25 يناير 2011، لكن هناك بعض المجالات التي ينبغي استكمال مسيرة الإصلاح الاجتماعي فيها عن طريق تدعيم الحماية المقررة للمرأة من العنف والتمييز الذي لا يزال قائماً في بعض التشريعات أو في الواقع العملي.

ونتناول في هذا الكتيب مظاهر الحماية الجنائية القائمة في التشريع الراهن لحقوق المرأة بالمساواة بينها وبين الرجل. ونخصص كتيباً مستقلاً لبعض المجالات التي تتطلب تدخلاً تشريعياً لتدعيم حقوق المرأة وحمايتها من بعض صور العنف والتمييز.

 المساواة في الحماية الجنائية بين الرجل والمرأة

السمة الغالبة في نصوص القانون المصري هي عدم التمييز بين الرجل والمرأة في مجال الحماية الجنائية، بل نستطيع القول بأن القانون يميز تمييزاً إيجابياً لصالح المرأة في بعض النصوص. ويبدو القانون الجنائي أكثر القوانين حماية للمرأة، وهو بذلك يؤدي دوراً متميزاً في خدمة التحول الاجتماعي نحو الاعتراف للمرأة بحقوقها وحمايتها من كل صور العنف والتمييز.

والحماية القانونية للمرأة مقررة في الدستور والقوانين. لكن هذه الحماية لا تكون فعالة إلا إذا دعمها قانون العقوبات. فهذا القانون يحمي المرأة ضد التمييز والعنف الذي ينتهك حقاً من حقوقها الإنسانية، ونشير إلى أهم مجالات الحماية فيما يلي:

أولاً: حماية المرأة ضد التمييز المبني على اختلاف الجنس:

هذه الحماية تقررها قوانين العمل والوظيفة العامة وغيرها من القوانين. ويجب تدعيمها وتوسيع مجالاتها في مجال العمل لتشمل:

1- تجريم التفرقة في استحقاق ذات الأجر عندما يكون العمل واحداً.

2- تجريم التمييز في مجال الاستخدام أو إنهاء الخدمة أو تنفيذ عقد العمل.

3- تجريم الإخلال بتكافؤ الفرص بين الجنسين عن طريق استبعاد المرأة من بعض الأعمال أو المهن لكونها أنثى بالمخالفة للقانون.

ثانياً: حماية المرأة من الاعتداء على حياتها أو على سلامتها البدنية:

المساواة بين الرجل والمرأة في النصوص التي تجرم الاعتداء على الحياة وسلامة البدن كاملة في القانون المصري والشريعة الإسلامية.

أ- حماية حق المرأة في الحياة:

النصوص القانونية التي تجرم الاعتداء على الحق في الحياة لا تتضمن أي تمييز بين الرجل والمرأة. فالحق في الحياة يحميه القانون، سواء كان المجني عليها ذكراً أو أنثى.

فالنصوص الخاصة بالقتل العمد تعاقب "كل من قتل نفساً عمداً..." بعقوبة واحدة أياً كان جنس المجني عليه. والنصوص الخاصة بالقتل الخطأ لا تفرق في العقاب تبعاً لجنس المجني عليه "فمن تسبب خطأ في موت شخص آخر... يعاقب...".

والأدلة الشرعية تشير إلى أن المساواة من أصول الشريعة، فلا تفرقة بين الناس في المسئولية بحسب مراكزهم الاجتماعية أو جنسهم. فالسارق والسارقة يتساويان في عقوبة السرقة، والزانية والزاني يتساويان في عقوبة الزنا. وفي جرائم القصاص "النفس بالنفس" دون تمييز. ولا يختلف الأمر في جرائم التعزير. وحياة كل إنسان محل حماية من الشريعة من غير تمييز بين حياة الرجل وحياة المرأة، "فمن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً"، لا فرق في ذلك بين نفس وأخرى. وهذا منطق شرعي قويم، فإذا كان العقاب لا يختلف بين الرجل والمرأة، فلا يجوز أن تختلف الحماية باختلاف نوع الجنس عندما تكون المرأة ضحية الاعتداء على حقها في الحياة عمداً أو شبه عمد، أو خطأ.

ولا فرق بين الرجل والمرأة في الدية المقررة شرعاً أو في التعويض، ومعنى هذا التسوية بين المجني عليهم في هذه الأمور. وبناء عليه تكون دية الرجل كدية المرأة على السواء لعموم أحكام الدية في قوله تعالى "فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة"، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم "في النفس المؤمنة مائة من الإبل". وهذا ما تأخذ به قوانين الدول الإسلامية التي تقر نظام الدية في القتل مثل القانون الليبي والقانون الإماراتي. ولا فرق في الدية أو التعويض بين المرأة المسلمة وغير المسلمة طبقاً لرأي أبو حنيفة، استناداًَ إلى قوله تعالى "فإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله". وقضى أبو بكر وعمر في دية الذمي بمثل دية المسلم، كما روي عن ابن مسعود قوله دية أهل الكتاب مثل دية المسلمين. وتبرير ذلك أن وجوب كامل الدية يعتمد على كمال حال القتيل فيما يرجع إلى أحكام الدنيا، أما الدين فأمره إلى الله.

ب- حماية حق المرأة في السلامة البدنية:

النصوص القانونية التي تجرم أفعال الضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة لا تتضمن أي تفرقة في الحماية بين الرجل والمرأة، سواء في عقاب الصورة البسيطة من هذه الاعتداءات أو إذا توافر أحد الظروف المشددة، وسواء تعمد الجاني هذه الأفعال أو تسبب فيها بخطئه. ويدخل ختان الأنثى ضمن أفعال الإيذاء العمدي، فيكون جرحاًَ يشدد القانون عقابه باعتباره اعتداءً على سلامة جسم الأنثى (قانون 126 لسنة 2008).

ويجرم القانون الإجهاض، ويشدد القانون عقابه إذا حدث عن طريق العنف، لما يتضمنه من اعتداء على سلامة الأم الحامل وخطورة على حياتها، فيعتبر الإجهاض عن طريق الضرب أو نحوه من أفعال الإيذاء جناية يعاقب عليها بالسجن المشدد من 3 إلى 15 سنة.

وينظم القانون سلطة التأديب للأنثى بواسطة الأب أو الزوج، فيحدد غايته ووسائله، بحيث إذا حدث تجاوز فيه، كان الأب أو الزوج مسئولاً جنائياً عن الضرب الذي سببه ولو كان ما حدث بجسم الإبنة أو الزوجة لم يزد عن سحجات بسيطة. كما يسأل الأب أو الزوج عن جناية ضرب أفضى إلى الموت إذا ضرب الإبنة أو الزوجة على رأسها ضربة أدت إلى وفاتها. والذي نراه أن ضرب الزوج لزوجته يشكل جريمة الضرب التي يعاقب عليها قانون العقوبات ، طالما لا يوجد نص خاص في هذا القانون يستثنى ضرب الزوج لزوجته من نطاق تجريم الضرب.

وتقرر الشريعة الإسلامية حماية حق المرأة في سلامتها البدنية كحق الرجل في إطار جرائم الاعتداء على ما دون النفس عمداً أو شبه عمد أو خطأ. لكن هناك بعض الاختلافات عن القانون الوضعي فيما يتعلق بصور الاعتداء على سلامة جسم المرأة، مثل الضرب استعمالاً لحق التأديب وفق ضوابط معينة أو ختان الإناث طبقاً لرأي بعض الفقهاء.

ثالثاً: حماية المرأة من أفعال الاعتداء على عرضها:

تشمل هذه الأفعال الاغتصاب وهتك العرض. وهذه الأفعال يعاقب عليها قانون العقوبات منذ صدوره، لكنها خضعت لتعديلات بعد ثورة 25 يناير 2011، بالمرسوم رقم 11 لسنة 2011 الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بغرض توفير حماية أكبر للمرأة من هذه الأفعال التي تعد من أشد صور الاعتداء على عرض المرأة من حيث جسامتها.

أ- جرائم الاغتصاب:

الاغتصاب هو مواقعة أنثى بغير رضاء حر منها يعتد به القانون([1]). وكانت المادة 267 من قانون العقوبات تعاقب عليه بالسجن المؤبد أو المشدد، وذلك في صورته البسيطة. وجاء المرسوم رقم 11 لسنة 2011 ليرفع العقوبة إلى الإعدام أو السجن المؤبد. أما إذا توافر أحد الظروف المشددة فقد كانت المادة 267/2 من قانون العقوبات ترفع العقوبة إلى السجن المؤبد. ثم جاء المرسوم رقم 11 لسنة 2011 ليجعل عقوبة الاغتصاب الذي اقترن بأحد الظروف المشددة هي الإعدام.

والظروف المشددة لعقوبة الاغتصاب هي:

1- كون الجاني من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها.

2- كون الجاني خادماً بالأجرة عند المجني عليها أو عند أحد المذكورين في البند السابق.

3- ارتكاب الاغتصاب من شخصين فأكثر (تعدد الجناة الذين اغتصبوا الأنثى).

وكنا نأمل في اعتبار اغتصاب صغيرة السن أو المصابة بعاهة في العقل تعدمها القدرة على التعبير عن إرادتها من بين الظروف المشددة للعقاب التي ترفع العقوبة إلى الإعدام.

وجدير بالذكر أن النظام الجنائي الإسلامي لا يمكن أن توجد فيه جريمة الاغتصاب، لأن جريمة الاغتصاب لا وجود لها إلا في ظل نظام جنائي يعتمد حرية الإرادة كأساس للعلاقات الجنسية بين الذكر والأنثى. فمن يواقع أنثي بغير رضاها يكون مغتصباً في القانون لأنه يعتدي على حريتها الجنسية دون رضاء منها، بينما الشريعة الإسلامية تعتبره مرتكباً لجريمة الزنا، وتكون الأنثى التي تمت مواقعتها دون رضاء منها مجنياً عليها لا يطبق عليها حد الزنا. ومع ذلك تسمح أحكام النظام الجنائي الإسلامي باعتبار الاغتصاب من جرائم التعزير حتى يتمكن ولي الأمر من تقرير عقوبة تعزيرية له تتناسب مع جسامة الاعتداء الواقع على المجني عليها، والعقوبة التعزيرية يمكن أن تصل إلى قتل المغتصب (الإعدام). وفي هذا الخصوص لا تخل أحكام القانون المصري في مجال جناية الاغتصاب بأحكام الشريعة الإسلامية إذا اعتبرنا الاغتصاب للأنثى من الجرائم التعزيرية التي يترك تحديد عقوباتها لولي الأمر.

ب- جرائم هتك العرض:

هتك العرض هو إتيان أفعال دون الوقاع على جسم المجني عليها من شأنها الإخلال الجسيم بحيائها. وقد يرتكب هتك العرض بالقوة أو بالتهديد، وقد يكون بغير قوة او تهديد.

1- هتك العرض بالقوة أو بالتهديد أو الشروع فيه تعاقب عليه المادة 268 من قانون العقوبات، بعد تعديلها بالمرسوم رقم 11 لسنة 2011، على النحو التالي:

- إذا كانت سن المجني عليها قد تجاوزت ثماني عشرة سنة ميلادية كاملاً، تكون العقوبة السجن المشدد من 3 إلى 15 سنة.

- إذا كان عمر المجني عليها أقل من ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان الجاني من أقارب المجني عليها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادماً بالأجرة عندها أو عند أقاربها أو عند من لهم سلطة عليها، تكون العقوبة السجن المشدد من 7 إلى 15 سنة.

- إذا كان عمر المجني عليها أقل من ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة وكان الجاني من أقاربها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادماً، أي إذا اجتمع الظرفان المشددان، تكون العقوبة السجن المؤبد

2- هتك العرض بغير قوة أو تهديد أو الشروع فيه تعاقب عليه المادة 269 من قانون العقوبات، بعد تعديلها بالمرسوم رقم 11 لسنة 2011، على النحو التالي:

- إذا كان عمر المجني عليها أقل من ثماني عشرة سنة، تكون العقوبة السجن من 3 إلى 15 سنة.

- إذا كان عمر المجني عليها أقل من 12 سنة، وكان الجاني من الأقارب أو أصحاب السلطة أو الخدم، تكون العقوبة السجن المشدد من 7 إلى 15 سنة.

وجدير بالذكر أن أفعال هتك العرض من الجرائم التعزيرية في النظام الجنائي الإسلامي، سواء وقعت على الرجل أو على المرأة، ويكون لولي الأمر أن يتخير لها العقوبات الملائمة في حدود سلطته التقديرية في جرائم التعزير. وعلى ذلك تكون نصوص القانون المصري في صياغتها الراهنة غير متعارضة مع أحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بجرائم هتك العرض.

ج - إباحة القانون القتل العمد للمرأة دفاعاً عن عرضها:

نصت المادة 249 من قانون العقوبات على إباحة القتل العمد إذا كان مقصوداً به دفع المرأة فعل من يحاول اغتصابها أو من يحاول هتك عرضها بالقوة أو اختطافها. ففي هذه الحالة تتوافر شروط الدفاع الشرعي عن النفس في جانبها المتعلق بالعرض والذي لا يقل أهمية عن الحياة ذاتها. ويباح فعل الدفاع عن العرض ولو أدى إلى قتل المعتدي. وتجيز الشريعة الإسلامية دفع الصائل أي المعتدي، سواء هدد الاعتداء الحياة أو سلامة البدن أو العرض، بالوسائل المناسبة.

رابعاً: حماية حق المرأة في الحياء والكرامة:

حياء المرأة يخدش بالفعل الفاضح الذي يرتكب في علانية أو في حضرتها في غير علانية، كما يحدث امتهان كرامة المرأة ويخدش الحياء لديها في حالات التحرش بها.

أ- الفعل الفاضح العلني: تعاقب عليه المادة 278 من قانون العقوبات إذا ارتكب علانية وكان من شأنه الإخلال بحياء المرأة أو الرجل وعقوبته الحبس مدة لا تزيد على سنة أو الغرامة التي لا تتجاوز ثلاثمائة جنيه. والفعل الفاضح هو ذلك الفعل المادي الذي يأتيه الجاني على جسم الغير أو على جسمه هو إذا كان من شأنه أن يخل بالحياء العام، ولا تعد كذلك الأقوال مهما بلغت من درجة البذاءة والفحش، فالأقوال هذه تحقق جرائم التحرش التي يمكن أن تكون بالقول أو بالفعل.

ب- الأمر المخل بالحياء مع امرأة: تعاقب المادة 279 بذات العقوبة السابقة كل من ارتكب مع امرأة أو في حضرتها أمراً مخلا بالحياء، ولو وقع هذا الأمر في غير علانية. ويغطي هذا النص كل الأمور التي تقع على المرأة أو في حضورها دون رضاها وتخل بحيائها ولا تشملها النصوص التي تعاقب على هتك العرض أو الأفعال الفاضحة العلنية. وعلة هذا التجريم هي حماية كرامة المرأة والحفاظ على شعورها بالحياء. وهذه الحماية تقتصر على المرأة وحدها، فلا يستفيد منها الرجل إذا ارتكبت معه المرأة أو في حضرته أموراً مخلة بالحياء في غير علانية.

ج - التعرض لأنثى على نحو يخدش الحياء: كانت المادة 306 مكرراً (أ) من قانون العقوبات تعاقب كل من تعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول أو بالفعل في طريق عام أو مكان مطروق بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة من 200 إلى 1000 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كما يعاقب بالعقوبة ذاتها إذا كان خدش حياء الأنثى قد وقع عن طريق التليفون. وتشدد العقوبة في حالة العود لتكون الحبس حتى ثلاث سنوات وغرامة من 500 إلى 3000 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وكان هذا النص يسري على العنف ضد المرأة إذا اتخذ صورة "التحرش الجنسي" بالفتيات، فهو تعرض لأنثى ينطبق عليه نص القانون.

وبعد ثورة 25 يناير جرى تعديل النص المذكور، فلم يعد التعرض يقتصر على الأنثى، بل أصبح يشمل الذكر والأنثى "كل من تعرض لشخص على وجه يخدش حياءه". وشددت عقوبات التعرض فصارت الحبس من ستة أشهر إلى سنتين والغرامة من 500 إلى 2000 جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين. وتشدد العقوبة لتكون الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات والغرامة من 1000 إلى 5000 جنيه. ويسري النص المعدل إذا كان التعرض الذي يخدش الحياء قد تم عن طريق التليفون أو أي وسيلة من وسائل الاتصالات السلكية أو اللا سلكية، وبدهي أنه يسري على حالات التحرش الجنسي بالفتيات باعتباره تعرضاً لهن.

خامساً: حماية الأنثى من جرائم الخطف:

يجرم القانون خطف الأطفال، ويقرر له أشد العقوبات إذا كان الخطف قد وقع على أنثى:

أ- إذا كان الخطف بالتحايل أو الإكراه لطفل ذكر لم يبلغ ثماني عشر سنة ميلادية كاملة، كانت الجريمة جناية يعاقب مرتكبها بالسجن المشدد من 5 إلى 15 سنة (م 288ع).

ب- إذا كان الخطف من غير تحايل أو إكراه لطفل لم يبلغ سنه 12 سنة ميلادية، كانت الجريمة جناية يعاقب مرتكبها بالسجن المشدد من 5 إلى 15 سنة (م 289/1ع). وإذا كان عمر الطفل المخطوف قد تجاوز 12 سنة ولم يبلغ 18 سنة، كانت الجريمة جناية عقوبتها السجن المشدد من 5 إلى 15 سنة (م 289/2ع).

ج- إذا كان الخطف قد وقع على أنثى، فالجريمة جناية عقوبتها السجن المشدد من 10 إلى 15 سنة. ويعني ذلك أن خطف الأنثى الصغيرة من غير تحايل أو إكراه، عقوبته أشد من عقوبة خطف الطفل الصغير. وتشدد عقوبة خطف الطفل دون الثامنة عشرة إلى الإعدام أو السجن المؤبد إذا اقترنت بجناية الخطف جناية مواقعة المخطوف أو هتك عرضه (م289 فقرة أخيرة معدلة بالمرسوم بقانون 11 لسنة 2011).

د- إذا كان الخطف بالتحايل أو الإكراه قد وقع على أنثى تجاوز عمرها الثامنة عشرة، كانت الجريمة جناية عقوبتها السجن المؤبد. وتكون عقوبة خطف الأنثى الإعدام وجوباً إذا اقترنت بها جناية مواقعة المخطوفة من غير رضائها، أي جناية اغتصاب الأنثى (م 290 ع).

هـ - لا يعفى الخاطف من العقاب ولو تزوج بمن خطفها زواجاً شرعياً، فالعقاب مستحق لا محالة إذا توافرت أركان جريمة الخطف بعد إلغاء مانع العقاب الذي كانت تقرره المادة 291 من قانون العقوبات بالقانون رقم 14 لسنة 1999.

سادساً: حماية المرأة في مجال الإجراءات الجنائية:

هذه الحماية تشمل ضمانات في مرحلة اتخاذ الإجراء ومرحلة التنفيذ العقابي مراعاة لخصوصية المرأة:

أ- في مرحلة اتخاذ الإجراءات: يراعي القانون صفة الأنوثة عند اتخاذ بعض الإجراءات الجنائية مثل التفتيش. فقانون الإجراءات الجنائية يحظر تفتيش الأنثى المتهمة أو المشتبة فيها إلا بمعرفة أنثى يندبها لهذا الغرض مأمور الضبط القضائي (م46/2 من قانون الإجراءات الجنائية)، فلا يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتش الأنثى بنفسه أو بواسطة رجل غيره أياً كانت صفته، وذلك حفاظاً على حياء المرأة من أن يخدش نتيجة المساس بأجزاء من جسمها تعد عورة عند التفتيش إذا جرى التفتيش بمعرفة الرجل، ولو كان طبيباً في أمراض النساء، بل ولو كان هو زوجها.

ومما يتصل بالإجراءات الجنائية شهادة الرجل والمرأة في المسائل الجنائية. والقاعدة في هذا الخصوص أن القانون لا يفرق بين الرجل والمرأة في الشهادة أمام القضاء، سواء تعلق الأمر بإثبات الجرائم أو بالمعاملات المدنية. فشهادة المرأة أمام القضاء مساوية لشهادة الرجل، إذا اطمئن القاضي إليها، وليست الذكورة والأنوثة هي معيار الحكم على جواز الشهادة أو صدقها كي يحكم القضاء بناء عليها.

ولا تفرق الشريعة الإسلامية بين الرجل والمرأة في خصوص الشهادة التي يصدر القضاء أحكامه بناء عليها، فالقاضي الجنائي أو القاضي المدني يقدر شهادة الشاهد وينتهي إلى قبولها أو رفضها تبعاً لما يطمئن إليه، وليس بالنظر إلى جنس الشاهد ذكراً كان أو أنثى.

أما ما ورد في الآية الكريمة في قوله تعالى " وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌوَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ..." فإنه ليس توجيهاً للقاضي الذي يحكم في المنازعات بين الأفراد، لكنه توجيه لصاحب الحق، ليس معناه أن شهادة المرأة الواحدة أو شهادة النساء لا يثبت بها الحق. فهذا التوجيه – كما يقرر الإمام ابن تيمية – سببه أن المرأة في هذا الوقت لم تكن ممن يطلعون على المعاملات ولا يجلسون مجالسها، لكن إذا تطورت الحياة وتغيرت العادات، كانت شهادة المرأة في المعاملات والعقود مساوية تماماً لشهادة الرجل. ويرى الإمام محمد عبده أن النساء في ذلك التاريخ كن بعيدات عن مجالس التجارة، وهو واقع تاريخي خاضع للتطور والتغير، وليس طبيعة ولا جبلة في النساء على مر العصور. وقد قرر الفقهاء قاعدة تغير الأحكام بتغير الزمان، فالتوجيه لصاحب الحق بالإشهاد على نحو معين يتفق مع ظروف العصر الذي جاء فيه وعاداته وتقاليده ليس حكماً اعتقادياً أو تعبدياً يتصف بالقداسة بحيث لا يقبل التغيير، لكنه حكم يتعلق بالمعاملات التي يلحقها التغيير والتعديل. فإذا تغير الزمان وصارت المرأة ممن لهم صلة بالمعاملات، كان إشهادها على العقود والمعاملات لا يختلف عن إشهاد الرجل، فيصح إشهاد الرجلين أو المرأتين أو الرجل مع امرأة واحدة.

ونقرر أنه فيما يتعلق بالشهادة أمام القضاء الجنائي، لا يتقيد القاضي كقاعدة عامة في سبيل تكوين اقتناعه الذاتي بالإدانة أو البراءة بأي قيد يتعلق بعدد الشهود أو جنس الشاهد أو ديانته. لذلك تكون شهادة المرأة مساوية لشهادة الرجل في الإثبات أمام القضاء، ولا صحة لما يثيره البعض من أن شهادة المرأة أمام القضاء نصف شهادة الرجل، فالآية الكريمة لا شأن لها "بالشهادة" التي يمكن أن يصدر القاضي حكمه بناء عليها، فهي تتعلق فقط "بالإشهاد" على الحقوق وتتضمن توجيهاً غير ملزم لصاحب الحق.

ب- في مرحلة التنفيذ العقابي:

توجد عدة أحكام في القانون تتعلق بحماية المرأة المحكوم عليها التي تنفذ عقوبة سالبة للحرية أهمها:

1- إذا كانت المحكوم عليها الإعدام امرأة حامل في أي مرحلة للحمل، وجب وقف تنفيذ عقوبة الإعدام حتى تضع حملها وتمضي مدة شهرين على الوضع (م476 من قانون الإجراءات الجنائية). وهذا النص استمده القانون من أحكام الشريعة الإسلامية، حماية للجنين وإعمالاً لمبدأ شخصية العقوبة حيث لا تزر وازرة وزر أخرى. وتحقيقاً للهدف من هذا الحكم نرى ضرورة زيادة المدة التالية على الوضع التي لا يجوز فيها تنفيذ عقوبة الإعدام إلى سنتين، كي تتمكن الأم من إرضاع وليدها ورعايته خلال شهوره الأولى التي يكون فيها محتاجاً إلى أمه.

2- إذا كانت المحكوم عليها بعقوبة سالبة للحرية حبلى في الشهر السادس من الحمل، جاز للنيابة العامة تأجيل التنفيذ عليها حتى تضع حملها وتمضي مدة شهرين على الوضع. فإذا تقرر التنفيذ على المحكوم عليها الحامل، أو ظهر في أثناء التنفيذ أنها حامل، وجبت معاملتها في السجن معاملة المحبوسين احتياطياً حتى تضع حملها وتمضي مدة شهرين على الوضع (م485 ا.ج).

3- يجوز تأجيل التنفيذ بطريق الإكراه البدني على المرأة الحامل في الشهر السادس من الحمل حتى تضع حملها وتمضي مدة شهرين على الوضع (م513 إ.ج). فإذا جرى التنفيذ عليها رغم حملها، وجبت معاملتها في السجن معاملة المحبوسين احتياطياً.

4- المرأة المحكوم عليها بالسجن المشدد تقضي عقوبتها في أحد السجون العمومية، ولا تنفذ في الليمانات التي كانت تنفذ فيها عقوبة الأشغال الشاقة قبل إلغائها واستبدال عقوبة السجن المشدد بها. ولا يجوز تشغيل السجينات في الأعمال الشاقة التي لا تتناسب مع قوتهن البدنية. وقررت اللائحة الداخلية للسجون حظر تشغيل المحكوم عليها داخل السجون إلا في الأشغال التي تتفق وطبيعة المرأة.

5- عدلت المادة 19 من قانون تنظيم السجون بالقانون رقم 6 لسنة 2009، وبعد التعديل أصبحت تقرر ضرورة معاملة المسجونة الحامل معاملة طبية خاصة من حيث الغذاء والتشغيل والنوم منذ ثبوت حملها بتقرير طبي، وإلى أن تضع حملها وتمضي أربعون يوماً على الوضع. وكان النص قبل التعديل يقرر المعاملة الطبية الخاصة ابتداء من الشهر السادس للحمل، أما قبل الشهر السادس فكانت تعامل معاملة باقي السجينات دون تمييز بسبب حالة الحمل.

6- تقرر المادة 20 من قانون تنظيم السجون حق الأم المسجونة في الاحتفاظ بطفلها حتى يبلغ من العمر سنتين. فإن لم ترغب في بقائه معها أو بلغ هذه السن سلم لأبيه أو لمن تختاره من الأقارب. فإذا لم يكن للطفل أب أو أقارب يكفلونه وجب على مدير السجن أو مأموره إخطار المحافظ أو المدير لتسلمه والعناية به خارج السجن في أحد الملاجئ، وإخطار الأم المسجونة بمكانه، وتيسير رؤيتها له في أوقات دورية.

7- أضاف القانون 126 لسنة 2008 إلى قانون الطفل نص المادة 31 مكرراً والتي نصت على ضرورة إنشاء دار للحضانة في كل سجن للنساء، يسمح فيها بإيداع أطفال السجينات حتى بلوغ الطفل أربع سنوات، على أن تلازم الأم طفلها خلال السنة الأولى من عمره.ولا يسمح للأم باصطحاب طفلها إلى محبسها، ولا يجوز حرمانها من رؤية طفلها أو من رعايته كجزاء لمخالفة ترتكبها.

ويتضمن قانون السجون نصاً مشابهاً. لكن القانون لم يضع ضمانات حقيقية لضمان تنفيذ هذا الحق للمرأة السجينة، بل اكتفى بالنص على الحق، تاركاً بيان كيفية اتصال الأم السجينة بطفلها وتلقيه رعايتها لقرار يصدر من وزير الداخلية.

خاتمــــة

بعد هذا العرض لموقف القانون الجنائي من العنف والتمييز ضد المرأة، نقرر أن السمة الغالبة لأحكام هذا القانون هي حماية المرأة من كل صور العنف التي تمارس ضدها مثلها مثل الرجل سواء بسواء. ولا يغير من هذه الحقيقة بعض النصوص القليلة التي تميز بين الرجل والمرأة، مثل نصوص الزنا، كما لا يقدح في ذلك وجود بعض المجالات التي يلزم فيها تدعيم حماية المرأة والتي سوف نشير إليها في كتيب لاحق. فالنصوص التي تميز ضد المرأة تخالف الشريعة الإسلامية نصاً وروحاً، كما أنها تخالف نصوص دستورية تقرر المساواة بين الرجل والمرأة، وتتعارض مع أحكام الاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها مصر فصارت جزءاً من نظامها القانوني.

والحقيقة أن حماية المرأة من كافة أشكال العنف والتمييز لا تكون بالعقاب وحده، بل بتوعية المرأة بحقوقها وتوعية أفراد المجتمع لتغيير السلوكيات المجحفة بحقوق المرأة، بالإضافة إلى استكمال أو تنقيح التشريعات التي تدعم وتكمل هذه الحماية.

 

([1]) فينتفي الرضاء بالمواقعة إذا رفضت الأنثى ذلك صراحة أو كانت غير قادرة على الرضاء أو كان الرضاء الصادر منها لا يعتد به القانون، كما لو كانت صغيرة السن أو فاقدة الوعي أو التمييز بسبب عاهة في العقل، أو كانت في ظروف لا تسمح لها بالتعبير عن رضاها مثل السكرانة أو النائمة.

 

الدكتور فتوح الشاذلي

 

أستاذ بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية

المجلس القومي للمرأة يواصل فعاليات برنامج ريادة الأعمال بمحافظة الشرقية

في اطار المشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية ، وتنفيذا للمبادره الرئاسيه" حياه كريمه " يواصل فرع المجلس القومي للمرأة بمحافظة الشرقية سلسله تدريبات رياده الاعمال لتمكين السيدات اقتصاديا ، وذلك بقرى المحافظة ، خلال الفترة من ٥ وحتى ١٢ ابريل ٢٠٢٢. يذكر أن برنامج ريادة الأعمال يستهدف تدريب ١٣٦ ألف سيدة على إدارة مشروعاتهن ، و يتضمن تعريف السيدات بمبادئ التخطيط ، والتسويق ،والمفاهيم الأساسية لريادة الأعمال كالإبتكار وتقييم الفرص  وإدارة الوقت والمسؤوليات وتحديد الأولويات ، بالإضافة إلى شرح نموذج العمل التجاري وقواعد المحاسبة وخطوات تسجيل وترخيص أى مشروع جديد ، كذلك التعرف على عدد من الجهات التى تقدم خدمات المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر و التى يمكن للسيدات الاستفادة من خدماتها  .  

الثلاثاء 12 أبريل 2022 02:28 م